أحمد السعداوي (أبوظبي)

الحقائب المدرسية ضرورة لا غنى عنها، ترافق طلاب المدارس سنوات طويلة، خاصة خلال مراحل التعليم الأساسي، ومن هنا فإن الرسومات والصور التي تحملها هذه الحقائب، تلعب دوراً مهماً في توجيه رسائل غير مباشرة إلى هؤلاء الطلاب، عبر شخصيات كرتونية ورموز وصور وألعاب تزين وتغزو تلك الحقائب، فتمثل عنصر جذب لاقتنائها، وبالتالي يصبح الطلاب أكثر قرباً وتقليداً لهذه الأنماط من الشخصيات، التي غالباً ما تكون هدّامة وبعيدة عن العادات والأفكار التي تربينا عليها في المجتمع الإماراتي أو غيره من المجتمعات العربية، ما يستدعي من أولياء الأمور التنبه خلال اختيار تلك الحقائب لأبنائهم، ويفضل أن تحمل الحقائب رسائل إيجابية لأبنائنا الطلاب مثل صور أهم المعالم والمزارات السياحية في الإمارات والعالم العربي، أو شخصيات تاريخية أو كلمات مشجعة عن الأمل والطموح، وغيرها من الأفكار والسلوكيات المطلوب غرسها في النشء خلال تلك المرحلة العمرية المهمة.

أفكار عدوانية
تقول سحر مومني، ولية أمر لأطفال في مراحل تعليمية مختلفة، إن الحقائب المدرسية وما تحمله من صور تجذب الطلاب والطالبات لاقتنائها، فالأطفال يفضلون صوراً تمثل برامج الأطفال التي يتابعونها، والمراهقون يفضلون صوراً تعبر عن هويتهم التي يتقمصونها، وهذا كله حصيلة لما يتابعونه على التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، وباعتقادي أن الصور التي تعبر عن العنف المعروضة على حقائب الطلبة تخبرنا جميعاً بأن علاج هذه الآفة تبدأ بتغيير ما يُعرض على التلفاز، ومراقبة الأهل لأطفالهم رغم صعوبة الأمر.
وتقترح مومني أن تكون الحقائب متوفرة في المدارس بأشكال موحدة وعليها شعار المدرسة، وهذا من شأنه تسهيل عملية الشراء على الأهالي وإيجاد حل بالتخلص من الصور على هذه الحقائب، ويصبح جميع الطلبة سواسية في إطلالتهم المدرسية.
أحمد شلبي، ولي أمر، أورد من ناحيته أنه مع بداية عام دراسي جديد، نحن بحاجة إلى إعادة النظر فيما يخص الطفل في العالم العربي عامة وفي دولة الإمارات خاصة، حيث تبدأ الدراسة مع حمل الأطفال حقائبهم ملتصقاً بها رسوم مدمرة، فهي تسلب معاني القيم الأخلاقية من عقول الأطفال ونفوسهم، وأمام الكم المتزايد من الرسوم الموجهة بات أطفالنا أمام عدد كبير من الرسوم الخيالية والمدمرة مما جعلهم مغرقين في أفكار عدوانية، وهذه الرسوم تختلف في شكلها وجوهرها عن حضارتنا العربية والذي يهمنا أن التأثير السلبي كان سبباً في ضياع قيم كثيرة في مجتمعنا، والمؤلم في الأمر أن هذه الرسوم أصبحت تحيط الطفل من كل جانب عبر التلفزيون، الإنترنت، المجلات، الملابس، واليوم يأتي الدور على حقيبته المدرسية.
وتابع شلبي: نحن بحاجة إلى إنتاج رسوم تنمي ثقافتنا وهويتنا العربية وتساعد على تطوير عقل الطفل وتنشئته نفسياً واجتماعياً، وتساعد على ربطه بوطنه ودينه وتبرز الرموز والقدوة الصحيحة. فلدينا قادة وزعماء حققوا إنجازات واقعية مثل الوالد المؤسس زايد رحمه الله، كما أن كل البلدان العربية بها شخصيات عظيمة تصلح لتكون قدوة للمجتمع، ولدينا تراث عريق في بلادنا يحتاج لإيقاظه في نفوس أطفالنا، وكذلك مزارات سياحية وأثرية ساحرة في أرجاء العالم العربي.

بين الخيال والواقع
أشار محمد إبراهيم المرزوقي، مدير مدرسة الرواد بأبوظبي، إلى أن الآونة الأخيرة شهدت انتشار حقائب ودفاتر ومساطر وملحقات تعليمية عليها رسومات لشخصيات كرتونية شهيرة وهي بالطبع وسائل جذب للأطفال، لدرجة أنه أنشئت شركات متخصصة لشخصية معينة، ويعتقد البعض أن هذه الرسومات تجذب الأطفال للدراسة وذلك لأن الطفل هو الذي ينجذب لهذه الرسومات، ويختار الحقائب والأدوات التي تتزين بهذه الرسومات، إلا أن هذا الاعتقاد قد يجانبه الصواب، إذ أن هذا الانجذاب هو استمرار لشخصيات رآها الطفل في التلفاز وتعايش وتوحد معها ويبحث عنها في الواقع، فمجرد أن تقع عينه عليها يأخذها بلا تردد، وهذا الشغف بهذه الشخصيات والرسومات الكرتونية هو استمرار للشخصية الكرتونية التي تتعايش في ذهن الطفل بما تحمله من مظاهر وسمات ليست واقعية، وهنا تكمن الآثار السلبية لهذه الرسومات، وإذا حللنا هذه الرسومات نجدها تتميز بالحركة والشجاعة والدفاع عن النفس والبطولة وهذه كلها رغبات داخلية تتعايش مع الطفل، كذلك نجد أن الطفل يتحسس بأن هذه الشخصية الرسومية هي شخصيته الخاصة به وتمثله، وإذا حللنا الفيلم الكرتوني، سنجده عبارة عن آلاف من الصور المتحركة، كذلك التأثير الصوتي المصاحب للصور ونبرة الصوت تزيد من تعايش الطفل مع الشخصية، ويتفاجأ الطفل عندما يقوم بنفس الأفعال التي تفعلها الشخصية أن البيئة المحيطة به من الآباء والأقارب والأقران يرفضون هذا الفعل، مع أن هذا الفعل هو المثالي والذي فعلته الشخصية المحببة إليه، وهذا يدل على التأثير السلبي للشخصية الكرتونية على الطفل والذي لا يميز بين الخيال والواقع.
وأكد المرزوقي أن الأبحاث العلمية أثبتت من خلال تحليل الأفلام الكرتونية المرتبطة بأفلام الأكشن التأثر بالأسلحة النارية والخناجر والسيوف المستخدمة في المعارك، والتي تمثل البطولة بالنسبة للطفل وهنا يترسخ داخل الطفل بأن البطل هو الذي يقتل ويصيب الهدف، وبالطبع هذا يصيب الطفل بالعدوانية والاكتئاب، كما أن شغف الطفل بهذه الرسومات يدفعه للجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة، ما يؤثر سلبيا على نموه الجسماني.

إيجابيات وسلبيات
على هامش أحد المؤتمرات الطبية التي أقيمت في مدينة العين مؤخراً، قال الدكتور أحمد الألمعي، استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي، إن الرسومات الموجودة على الحقائب المدرسية تنقسم إلى عدة أشكال، منها المفيد والتعليمي الذي يحث الطلبة على قيم ومبادئ معينة تصب في صالحه وتتماشى مع مبادئنا وتعاليم مجتمعنا العربي المسلم المحافظ، مثل التي تحمل مواضيع تعليمية من التاريخ الإسلامي العربي أو أبرز المعالم السياحية في الإمارات والبلدان العربية، وبهذا يكون لها أهداف تعليمية تثقيفية.
ومن ناحية أخرى، هذه الرسومات قد تكون لها آثار سلبية كثيرة، ومنها ما يحث على العنف أو يبعث على قيم معينة غير مقبولة دينياً ولا أخلاقياً ولا اجتماعياً. ومساوئ تلك الرسومات يمكن أن نجملها في: أولاً: تعويد الأطفال على هذه المناظر يولد نوعاً من التبلد الحسي لدرجة أن الأطفال يعتبرون هذه الرسومات والأفكار شيئاً طبيعياً ولا يستنكرونها. ثانياً: هذه الرسومات لها آثار سلبية واضحة أو مخفية في كثير من الأحيان، مثل الأفكار المحرضة على العنف، أو التي تجسد بعض الشخصيات غير المستحبة، وهذا له تأثير فكري سلبي على الأطفال في تنشئتهم وتربيتهم، فهذا نوع من غسيل الدماغ بصورة غير مباشرة.
وتبعاً لما سبق يوصي الألمعي بانتباه أولياء الأمور لهذه المشكلة ليكون لهم دور في مقتنيات أطفالهم سواء كانت حقائب، أدوات مدرسية، ألعاب، أو غيرها، بحيث تكون ذات محتوى هادف ومقبول، فالمحتوى الهادف يرسخ الأفكار والثقافة الإيجابية في مجتمعنا.

من بيئتنا المحلية
أكد جاسم الحمادي، الاختصاصي الاجتماعي بإحدى مدارس أبوظبي، أنه لا بد من أن إيجاد شخصيات واقعية بديلة وإنجازات نتباهى بها أمام أطفالنا، فيمكن أن نستبدل رسومات تعمق الهوية، مثل صور مختلفة لأعلام الدولة ومخططات لخريطة الدولة أو شخصيات شهيرة من بيئتنا المحلية، وهناك بعض التجارب الناجحة في هذا المجال، موضحاً أن الشخصيات الكرتونية المستوردة من الخارج هي تصميمات عالمية وتنتج بكميات كبيرة وتحقق مكاسب عالية، لذلك نقترح أن تتفق الدول العربية على صنع شخصيات عربية تاريخية وتراثية وما أكثرها في العالم العربي، لترسخ الهوية العربية بتعاليمها الإسلامية. ويشير الحمادي، قائلاً: الملاحظ أن البنات ينجذبن إلى ملابس الشخصيات الكرتونية وملحقات الملابس وأدوات الزينة، حتى أن بعض البنات يقبلن على عطور مرسوم عليها شخصيات كرتونية؛ لذا يجب أن نشرح للطفلة أن هذه الشخصية خيالية وليس لها أساس في الواقع وأنها لا تأكل ولا تلبس ولا تتزين ولا تضع العطور، وإنما هي رسومات من الخيال، وأنها يمكن أن لا يتفق سلوكها مع عاداتنا وتقاليدنا وتعاليمنا الإنسانية.

نصائح
ينصح الدكتور أحمد الألمعي أولياء الأمور بتجنب فرض إرادتهم على الأطفال، ويجب أن نعطي لهم حق اختيار مقتنياتهم من أدوات مدرسية وملابس وألعاب وما إلى ذلك، بشرط أن تكون هذه المقتنيات ذات محتوى مقبول دينياً واجتماعياً وثقافياً، وبذلك نتبع أسلوب التربية الصحيح. في الوقت ذاته، يجب أن نتأكد أن أطفالنا لا يتعرضون لمواد ومحتوى غير مقبول قد يؤثر على أفكارهم ونشأتهم، كذلك هناك دور للمؤسسات التعليمية والشركات التجارية بحيث تراقب المقتنيات والرسومات والمحتوى الذي يتعرض له أطفالنا، وهذا بحد ذاته يكفل تحقيق الرسائل الإيجابية لهذه الرسومات والصور التي ربما تكون غريبة عن مجتمعاتنا وأفكارنا، وبذلك ننشئ الجيل الجديد تنشئة صالحة بعيداً عن الأفكار الهدامة والتأثيرات النفسية السلبية.